الشباب المسلم المبتعث في أمريكا وأوربا يواجه سيلًا من الأسئلة عن الإسلام، تنوعت أساليبها، واختلفت دوافعها، ومضمونها واحد:
لماذا يبيح دينكم تعدد الزوجات؟
ولماذا المرأة على النصف من الرجل في الشهادات والمواريث وغيرها؟
لماذا "يمتهن" الإسلام المرأة؟!
وهل الإسلام دين إرهاب حين شرع الجهاد؟
ومن نصدق: السنة أم الشيعة؟
وحول هذه القضايا وما يشابهها يدور تفكيرهم.
لقد شوهت أجهزة إعلامهم الموجهة صورة الإسلام، وصوّرته على أنه دين الشهوانية والدم فحسب، وحين يُغرق أولئك شبابَنا بهذه التساؤلات يشعر بالحرج أحيانًا، ويحاول أن يلف ويدور.. وحتى يخرج من هذا المأزق.. تجده يقول:
تعدد الزوجات مشروط بالعدل، والعدل محال (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم..)[النساء:129]، وما علق بالمحال فهو محال؛ إذًا فهو ممنوع، وقد يجد في بعض المسائل رأيًا شاذًا فيعتمده! .. المهم عنده أن يلطّف الموضوع.
وخلال زيارتي لأمريكا وجدت هذا الإحراج يؤذي بعض الشباب المتدين، ممن لا يملك المعرفة الإسلامية الصافية، ولا يدري ما المخرج منه؛ فكنت أقول:
لماذا نكون مدافعين؟
لماذا لا نهاجم؟
وقد عرفنا أنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فإذا سألك محدثك سؤالًا فوجه إليه عشرة...
إذا سألك عن الجهاد في الإسلام فاسأله عن السياسة الأمريكية في مواقع كثيرة من أنحاء العالم، والتي تقوم على التدخل الصريح المكشوف، فضلًا عن التدخل الخفي.
وإذا سألك عن تعدد الزوجات فاسأله عن الإباحية الجنسية الصارخة والتي مزّقت المرأة تحت عجلاتها الفولاذية المدمرة .. حيث لا مسؤولية للرجل عن المرأة، ولا عن ما يحدثه الاتصال المحرم من آثار ونتائج..
وإذا سألك عن الميراث فاسأله عن النظام القائم عندهم، والذي يمنح المرأة 60% فقط من مرتب الرجل، الذي يعمل في الوظيفة نفسها.
ويقضي الساعات نفسها في العمل، ولا يعني هذا التهرب، لكن يعني ألا تجيب وأنت في حالة ضعف وحرج؛ لئلا يجرك هذا الضعف إلى العبث بأحكام الله من أجل سواد أو زرقة عيونهم..!
ويمكن أن تنتقل مرحلة أخرى لتبين أن الإسلام بشرائعه هو الحل للمشكلات التي يعانونها، وعلى سبيل المثال: حسب بعض الإحصاءات؛ فإن نسبة النساء إلى الرجال في الولايات المتحدة الأمريكية هي 119 إلى 100.
أي أن لكل مائة رجل مائة وتسع عشرة امرأة، وفي بعض الولايات تصل النسبة إلى 160 إلى 100، والتعدد هو الذي يحل تلك المشكلة، حيث يلتزم الرجال بالقيام على شؤون الزوجتين أو الزوجات، وتحقيق العدل الممكن بينهن، وتحمّل المسؤوليات المترتبة على الزواج...
ونظام الإسلام في المساواة بين الناس -لا فضل لأحد على أحد إلا بعمله إن كان صالحًا- هو الذي يقضي على التمييز العنصري القائم عندهم .
ونظام الإسلام في الجهاد هو الذي يجتث جذور الطغاة، ويتيح للناس مجال التفكير والاختيار الحر دون ضغط أو إكراه، فهو يسعى إلى تعبيدهم لرب العالمين، لا لفرد، ولا لقبيلة، ولا لشعب… إلخ.
وهناك أمور لابد من التنبه إليها:
أـ الحكم الشرعي الثابت بالكتاب والسنة المحكم القاطع، ليس من حق أحد ـ أيًا كان ـ أن يحوّر فيه أو يزيد أو ينقص خجلًا أو لرغبة أو رهبة، والداعية حين يتدخل في الحكم نفسه فيخبر بخلاف الحق يكون خائنًا للإسلام، وخائنًا للمدعوين أيضًا، فليس من حقه أن يتدخل في شأن من شؤون الألوهية.. وهو موضوع الحكم والتشريع.
ب ـ المسائل الاجتهادية المترددة، فهذه يَعرضُها الداعية عرضًا معتدلًا متجردًا، حسبما يلائم الحال والموقف؛ فليس من الحكمة أن يختار أشد الأقوال وأحدها ليقدمه على أنه هو دين الإسلام، وهو يتحدث لأقوام في حال تأليف وتليين لقلوبهم واستمالة لمشاعرهم.
ج ـ العمل على إقناع المدعو بقبول الحكم، بأن يستخدم الداعية جميع إمكاناته العقلية والعلمية، ويوظف جميع معلوماته لإثبات صحة هذا الحكم وأنه الحق؛ ليستثمر مثلًا: مسألة الإعجاز العلمي، الإحصائيات، التجارب البشرية المختلفة.
الأوضاع القائمة، الجدل العقلي... إلى آخر ما يستطيع أن يحشده لإقناع المدعو بالإسلام. هذا كله لا غبار عليه، بل هو جزء مهم من الدعوة ومن البلاغ.
دـ يجب أن نغرس في نفوس الشباب الثقة المطلقة بالإسلام: كلياته و جزئياته، عقائده وأحكامه، وأن نحول دون تسرّب أي شعور بالضعف أو النقص إلى نفوسهم من جرّاء الحصار الذي يحاول ضربه عليهم بعض المجادلين.
إننا لا نقدم شيئًا ذا قيمة للإسلام إذا أوهمناهم أن الإسلام شيء قريب مما يعيشونه، وأن الحياة الإسلامية لا تختلف كثيرًا عن حياتهم، وأن نظام الإسلام يشبه نظامهم، إنهم بهذا يزهدون في الإسلام ويعرضون عنه، فهم هاربون من جحيم حياتهم!.
وحين يتساءلون عن الإسلام أو عن غيره؛ فإنما يبحثون عن (منقذ) أو (مخلِّص) ..، فلنَعرضْ لهم الإسلام بتميّزه ووضوحه واختلافه الواسع العميق عن جميع ما عرفوا ويعرفون، حتى ندعوهم إلى التفكير فيه. ولنقدم لهم الإسلام من خلال منطق قوي أخّاذ، وحجة ظاهرة، وفهم عميق.
إن مهمتنا تنتهي عند هذا الحد؛ بل مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام تنتهي عند هذا الحد: (إن عليك إلا البلاغ)الشورى:48]، (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)[الرعد:40]، (فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمصيطر) الغاشية:22،21].
ليس من الضروري أن نتصوّر أن الدنيا ستتحوّل على أيدينا إلى "دنيا إسلامية .. مية بالميّة!"؛ لكن من المهم أن نحرص على هدايتهم، وأن نتحايل عليها بكل ممكن مباح، وأن نتقن عرضنا لهذا الدين، ونتعرف على نفسياتهم أيًّا كان مستواهم العلمي أو مرحلتهم العمرية.
وأن نقدم لهم القيم الإسلامية العليا كالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية التي تثبت لهم أنه أرقى من كل ما عرفوا من هذه النظريات، وقبل هذا وبعده أن نكون في سلوكياتنا وأخلاقنا وأنماط حياتنا مثلًا أعلى لهم، والله المستعان!
إن الكثير من المسلمين يدعون بألسنتهم ويصدون عن سبيل الله بأفعالهم وتناقضاتهم وازدواجيتهم واهتماماتهم الصغيرة وتفكيرهم المحدود، فإلى الله المشتكى!.
.......................
وبتجربة عملية يظهر أن الشاب أو الفتاة الذي يعيش الإسلام واقعًا عمليًا بين ظهراني المشركين – و قد اضطر للإقامة بينهم – أجدى على الإسلام من مائة خطيب و متحدث.. يدعو إلى الإسلام بأقواله, ويحذر منه بأعماله.
في مدينة (لورنس) في الولايات المتحدة الأمريكية التقينا مسلمًا أمريكيًا أبيض, أسلم من سبع سنوات, و أثنى المسلمون خيرًا على خلقه وسلوكه ونشاطه في الدعوة إلى الله, وهو أستاذ في الجامعة.
سألنا عن سبب إسلامه.. ولقد كانت فرحتنا كبيرة حين وجدنا في قصته شاهدًا عمليًا ماثلًا للعيان لما كنا نقوله للدعاة من ضرورة الاعتزاز بالإسلام في تلك المجتمعات (عقيدةً وسلوكًا وأحكامًا) و ألا نتنازل عن شيء من أجلهم؛ حتى يكون سلوكنا و منهج حياتنا "يصرخ" في وجوههم.. يدعوهم إلى التأمل والمراجعة وإعادة النظر.
كان هذا الرجل قد فقد الثقة بنصرانيته المحرفة الممسوخة المنسوخة, و بدأ رحلة شاقة في البحث عن الدين الحق..، و بحث في ديانات كثيرة فلم يجد فيها غناء, لكنه لم يفكر لحظة في دراسة الإسلام, فقد أسقطه من حسابه منذ البداية بسبب الصورة المشوهة التي رسمتها في عقله أجهزة الإعلام وشعوب الإسلام!.
ذات يوم رأى فتاة مسلمة تدرس في الجامعة ملتزمة بحجابها, تتحدى به أمواج التفسخ والتعري والانحلال .. ريحانة في وسط النتن!.
و سأل فعلم أنها مسلمة, و أن الإسلام يأمر بالتستر و التصون و حفظ الجسد عن العيون النهمة و النظرات الجائعة، فكان يقول: انطباعي السابق أن الإسلام يمتهن المرأة ويحتقر شخصيتها؛ لكنني أمام امرأة بلغ اعتزازها مداه حتى استطاعت أن تتميز بملابسها وهيئتها عن جميع أفراد ذلك المجتمع.. غير أنها تعيش في قلبه... إذًا فما تلقنتُه عن الإسلام و موقفه من المرأة غير صحيح!.
وهكذا كانت تلك " الصدمة " سببًا في إفاقته، ثم قادته أخيرًا إلى الإسلام.
و قد اقترن هذا المسلم بالفتاة نفسها التي رآها وأسلم بسببها!.
حتى المقصرون والمفرطون يستطيعون بالبقية الباقية لديهم من أخلاق الإسلام أن يدعوا الناس إليه.
و من طرائف هذا الباب أن فتاة عربية مسلمة غير ملتزمة تقيم في كندا, وتعرفت على شاب كندي نصراني, فطلب منها الزواج فرفضت لأنه غير مسلم.
فسأل عن الإسلام فأعطته معلومات يسيرة, ولم تكترث بالأمر – و الله أعلم – لكنه واصل, و ذهب إلى بعض المراكز الإسلامية و بدأ يقرأ بنهم حتى اقتنع بالإسلام وامتلأ قلبه به, و ظهر على جوارحه وسلوكه, فأعفى لحيته, و بدأ يحافظ على الجماعة, ويقوم الليل...، ثم جاء لصاحبته يطلب يدها؛ فرفضت وقالت: أنت أصبحت الآن متطرفًا!!.
لكنه لم يلتفت إليها.
لماذا نخجل من ديننا؟!.
بل لماذا نخجل حتى من عاداتنا التي لا خطأ فيها فنرغب عنها شعورًا بالهزيمة، وتفوق الآخرين؟!.
إن هزيمتنا في معركة عسكرية يمكن أن تستبدل بنصر مظفر في معركة تالية، لكن الهزيمة التي لا نصر بعدها هي الهزيمة الداخلية.. الهزيمة الروحية.
الكاتب: د. راغب السرجاني
المصدر: موقع الإسلام اليوم